بعد عام على جريمتي اغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين مؤسس حركة حماس والشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، يسود الدولة العبرية إقرار بأنها لم تفشل فقط في إجبار حماس على التخلي عن خيار المقاومة، بل إن (إسرائيل) هي التي تبدي أعراض الوهن في مواجهة المقاومة التي تشكل حماس أحد أهم أعمدتها. وقبل الخوض في مظاهر إدراك المستويات السياسية والعسكرية الصهيونية لبؤس الرهان على اغتيال القادة السياسيين لحركة حماس، وعلى الأخص الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي، فإنه يتوجب أولاً الإشارة إلى الرهانات والأهداف التي حاولت القيادتان السياسية والأمنية تحقيقها باغتيال ياسين والرنتيسي.
يقول وزير الحرب الصهيوني شاؤول موفاز إن حركة حماس تمثل العدو اللدود للدولة العبرية، وهو يرى أن خطورة حركة حماس لا تكمن فقط في عمليات المقاومة التي تشنها والتي تدل جميع المعطيات على أنها تسبب خسائر فادحة في الجانب الإسرائيلي، بل إن موفاز يرى أن حماس باتت مسؤولة أيضاً بشكل أساسي عن حفظ المقاومة كالخيار الوحيد لتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. ويعتبر موفاز ومعه بقية أركان حربه أن هذا بحد ذاته أكثر خطورة من عمليات المقاومة، لأنه يعني توسيع المقاومة وضم أطياف فلسطينية أخرى إليها.
ويشير إيهود يعاري كبير المعلقين للشؤون العربية في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى أن حماس هي التي شرعت في شن العمليات الاستشهادية عندما انتقمت في العام 1994 لمجزرة الحرم الإبراهيمي. ويضيف يعاري أن حركة حماس نقلت العمليات الاستشهادية من وسيلة تكتيكية للمقاومة إلى خطر استراتيجي على الدولة، في حين أن بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين رأوا في هذه العمليات خطراً وجودياً من الطراز الأول. ويرى المراقبون في الدولة العبرية أن حركة حماس لم تكتفِ بشن هذه العمليات، بل إنها نجحت في جعل بقية الفصائل تحذو حذوها. وأكثر ما يعتبره الإسرائيليون نجاحاً لحركة حماس هو نجاحها في دفع الحركات العلمانية الفلسطينية إلى اعتماد العمليات الاستشهادية. من هنا كان تصور إسرائيلي شامل يشدد على أن حركة حماس بحد ذاتها تمثل خطراً وجودياً على الدولة العبرية، وأنه على (إسرائيل) وأجهزتها الأمنية العمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل إضعاف هذه الحركة، والعمل ضدها في كل الاتجاهات.
مرجعية وطنية وأخلاقية
من المعروف أن الدولة العبرية كانت تتجنب المسّ بالقيادات الروحية للحركات الإسلامية الفلسطينية، على اعتبار أن المسّ بهذه القيادات من الممكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية وإلى حدوث طفرة في عمليات المقاومة، ويوسع من مساحة المواجهة بين (إسرائيل) والشعب الفلسطيني. لكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى وظهور الدور الريادي لحركة حماس فيها، ارتأت القيادات السياسية والأمنية في الدولة العبرية أنه يتوجب إضعاف حركة حماس على كل الصعد. وكان هناك في جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية ((الشاباك)) تحديداً من ارتأى أن القيادة السياسية الروحية لحركة حماس وعلى رأسها الشيخ أحمد ياسين تمثل مصدر قوة هائل للحركة، ورافداً أساسياً لها في الشارع الفلسطيني وضماناً ليس فقط لبقاء قوتها، بل أيضاً لتنامي هذه الحركة واتساعها، من هنا يتوجب على (إسرائيل) المسّ بهذه القيادة.
شرع الكيان الصهيوني بالمسّ بالقيادات السياسية في شمال الضفة الغربية، فكان اغتيال الشيخين جمال منصور وجمال سليم قائدي الحركة في شمال الضفة الغربية، وبعد ذلك تواصلت عمليات الاغتيال لتطال في النهاية الشيخ أحمد ياسين وخلفه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. قادة الدولة العبرية استغلوا بكل تأكيد المناخ الذي ساد العالم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر والتخاذل العربي والتساوق العالمي مع المفهوم الإسرائيلي الأمريكي لـ((الإرهاب)). (إسرائيل) أرادت التخلّص من الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي على اعتبار أنهما يمثلان مرجعية أخلاقية ووطنية ويجسدان رمزاً للنضال الوطني، كما قال أكثر من معلق إسرائيلي بُعيْد تنفيذ عمليتي الاغتيال التي فصلت بينهما ثلاثة أسابيع.
فشل الأهداف
بعد عام على اغتيال الشيخين ياسين والرنتيسي يتبين للكثيرين في الدولة العبرية أن غياب الشيخين لم يؤثر سلباً على الجهد المقاوم لحركة حماس، بل إن هذا الجهد أصبح أكثر مَضاءً كما يقول رؤفين فيدهستور، الجنرال المتقاعد في سلاح الجو والمعلق الاستراتيجي. الفكر القتالي لحركة حماس بعد اغتيال الشيخين لم يتجمد، بل ازداد إبداعاً. حماس استطاعت أن تقدم أسطورة في العمل المقاوم عندما حولت المستحيل إلى ممكن. فتحويل جيش الاحتلال مواقعه في قطاع غزة إلى قلاع محصنة وحراستها على مدار ساعات الليل والنهار لم يَحُلْ دون نجاح عناصر حركة حماس في الوصول إليها. الأنفاق المفخخة أصبحت الهاجس الذي يقضّ مضاجع قادة جيش الاحتلال وجنوده ومستوطنيه، مع العلم أن جميع عمليات الأنفاق المفخخة تم إهداؤها من قبل حركة حماس إلى روح الشيخين الياسين والرنتيسي، وهذا كان له دلالة فارقة بالنسبة لـ(إسرائيل) وهو أن غياب رمزين هامين مثل الياسين والرنتيسي لا يعني ولا يجب أن يعني توقف المقاومة بل على العكس. وهناك في (إسرائيل) من أخذ يحصي عدد الخسائر الإسرائيلية بعد مرور عام على اغتيال الشيخين، وحصيلة الخسائر الإسرائيلية العسكرية في انتفاضة الأقصى زادت وبشكل كبير. فقد حدث ارتفاع نوعي في عدد عمليات المقاومة وبالذات في قطاع غزة، ليصبح مجمل عدد عمليات المقاومة اثنين وعشرين ألف وأربعمائة وثلاثين عملية، قتل فيها ألف وأربعين صهيونياً، في حين سقط سبعة آلاف وستين جريحاً صهيونياً، وارتفع عدد العمليات الاستشهادية ليصل إلى مائة وثمان وثلاثين عملية، شاركت في تنفيذها ثماني استشهاديات، في حين ارتفع عدد صواريخ ((القسام)) التي تقوم بإطلاقها ((كتائب عز الدين القسام))، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى أربعمائة وستين صاروخاً. حقيقة أن حصيلة شهداء المقاومة قد ارتفع إلى حوالي أربعة آلاف شهيد لم تفت في عضد الشعب الفلسطيني، الذي لم يبدِ أي مظهر من مظاهر الوهن كما فعل المجتمع الصهيوني.
فك الارتباط
اللافت للنظر أنه بعد عام على اغتيال الياسين والرنتيسي، فإن قناعة باتت تتجذر لدى الكثير من المراقبين والمعلقين في (إسرائيل) ومفادها أن مسار التاريخ القصير أثبت نجاح الطريق الذي سلكه تحديداً الشيخ ياسين والرنتيسي، ويقصدون بكل تأكيد سبيل المقاومة. وكما يقر سيفر بلوتسكر المعلق البارز في صحيفة ((يديعوت أحرونوت))، فإن خيار الياسين والرنتيسي المتمثل في مواصلة الانتفاضة أثبت نفسه أكثر من أي خيار آخر. ويضيف بلوتسكر قائلاً ((الانتفاضة التي كان الياسين والرنتيسي من الحاثّين على مواصلتها، سواء اعترفنا أو رفضنا، دفعت الأغلبية الإسرائيلية الصامتة ومن ضمنها أغلبية ناخبي الليكود إلى الاعتراف بأن الاحتلال سيئ لـ(إسرائيل)، وأن الأضرار التي تعود على (إسرائيل) من مواصلة التحكم بالشعب الفلسطيني أكثر فداحة من منافعها؛ هذا إذا كانت هناك مثل هذه المنافع)). ويؤكد أن الشيخ ياسين والرنتيسي أثبتا للشعب الفلسطيني أن طريق المقاومة والانتفاضة أفضل ألف مرة من طريق المفاوضات والاتفاقيات مع (إسرائيل). ويضرب بلوتسكر مثالاً على ذلك، حيث يقول ((إن اتفاقيات أوسلو، وما تلاها من اتفاقيات وتفاهمات لم تتطرق البتة لقضية الاستيطان، ولم تتعهد الحكومات الإسرائيلية لأي من قادة السلطة بإزالة ولو بيت واحد في مستوطنة نائية، ليس هذا فحسب، بل إن اتفاقيات أوسلو ضمنت تواصل الاستيطان بشكل فاق بكثير وتيرته في الفترة التي سبقت التوصل للاتفاق)). ويضيف بلوتسكر قائلاً ((لكن انتفاضة الأقصى التي كان لحركة حماس بقيادة الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي دور بارز وطلائعي فيها أجبرت شارون أبو المشروع الاستيطاني على اتخاذ أصعب قرار في حياته، وهو إخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة الغربية)). ويرى بلوتسكر أن كل تفسير آخر للدوافع التي وقفت خلف شارون عندما اتخذ قراره بفك الارتباط تعتبر ((ذراً للرماد في عيون الإسرائيليين المتعبين من الصفقات والخداع الذاتي الذي يمارسه السياسيون المجبرون على مواجهة صدمة تغيير الرؤية والآراء والمعتقدات التي نادوا بها في الماضي))، على حد تعبيره. ويشدد الصحافي عكيفا الدار على أهمية الدور الذي لعبه كل من الشيخ ياسين والرنتيسي في تلاشي ((حلم أرض (إسرائيل) الكاملة الذي شُطب عن جدول الأعمال العام للإسرائيليين. (إسرائيل) في ظل قيادة أرييل شارون انسحبت من غزة وهي تقوم بإخلاء كل مستوطنيها من هناك كخطوة أولى -وليس كخطوة أخيرة- على طريق العودة إلى حدودها الصحيحة))، على حد تعبيره.
ولا يختلف اثنان من بين المعلقين الصهاينة المهتمين بالشأن الفلسطيني على أن غياب الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي لم يؤثر على قوة الحركة التي فاجأت الجميع بفوزها الساحق في الانتخابات المحلية، بحيث باتت القوة المركزية والتيار الأساسي في الساحة الفلسطينية. وقد تسابق المعلقون الصهاينة في تصوير مشاعر الذهول التي ألمّت بهم عندما علموا بحجم الفوز الذي حققته حركة حماس في هذه الانتخابات.
وشكراً
يقول وزير الحرب الصهيوني شاؤول موفاز إن حركة حماس تمثل العدو اللدود للدولة العبرية، وهو يرى أن خطورة حركة حماس لا تكمن فقط في عمليات المقاومة التي تشنها والتي تدل جميع المعطيات على أنها تسبب خسائر فادحة في الجانب الإسرائيلي، بل إن موفاز يرى أن حماس باتت مسؤولة أيضاً بشكل أساسي عن حفظ المقاومة كالخيار الوحيد لتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. ويعتبر موفاز ومعه بقية أركان حربه أن هذا بحد ذاته أكثر خطورة من عمليات المقاومة، لأنه يعني توسيع المقاومة وضم أطياف فلسطينية أخرى إليها.
ويشير إيهود يعاري كبير المعلقين للشؤون العربية في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى أن حماس هي التي شرعت في شن العمليات الاستشهادية عندما انتقمت في العام 1994 لمجزرة الحرم الإبراهيمي. ويضيف يعاري أن حركة حماس نقلت العمليات الاستشهادية من وسيلة تكتيكية للمقاومة إلى خطر استراتيجي على الدولة، في حين أن بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين رأوا في هذه العمليات خطراً وجودياً من الطراز الأول. ويرى المراقبون في الدولة العبرية أن حركة حماس لم تكتفِ بشن هذه العمليات، بل إنها نجحت في جعل بقية الفصائل تحذو حذوها. وأكثر ما يعتبره الإسرائيليون نجاحاً لحركة حماس هو نجاحها في دفع الحركات العلمانية الفلسطينية إلى اعتماد العمليات الاستشهادية. من هنا كان تصور إسرائيلي شامل يشدد على أن حركة حماس بحد ذاتها تمثل خطراً وجودياً على الدولة العبرية، وأنه على (إسرائيل) وأجهزتها الأمنية العمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل إضعاف هذه الحركة، والعمل ضدها في كل الاتجاهات.
مرجعية وطنية وأخلاقية
من المعروف أن الدولة العبرية كانت تتجنب المسّ بالقيادات الروحية للحركات الإسلامية الفلسطينية، على اعتبار أن المسّ بهذه القيادات من الممكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية وإلى حدوث طفرة في عمليات المقاومة، ويوسع من مساحة المواجهة بين (إسرائيل) والشعب الفلسطيني. لكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى وظهور الدور الريادي لحركة حماس فيها، ارتأت القيادات السياسية والأمنية في الدولة العبرية أنه يتوجب إضعاف حركة حماس على كل الصعد. وكان هناك في جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية ((الشاباك)) تحديداً من ارتأى أن القيادة السياسية الروحية لحركة حماس وعلى رأسها الشيخ أحمد ياسين تمثل مصدر قوة هائل للحركة، ورافداً أساسياً لها في الشارع الفلسطيني وضماناً ليس فقط لبقاء قوتها، بل أيضاً لتنامي هذه الحركة واتساعها، من هنا يتوجب على (إسرائيل) المسّ بهذه القيادة.
شرع الكيان الصهيوني بالمسّ بالقيادات السياسية في شمال الضفة الغربية، فكان اغتيال الشيخين جمال منصور وجمال سليم قائدي الحركة في شمال الضفة الغربية، وبعد ذلك تواصلت عمليات الاغتيال لتطال في النهاية الشيخ أحمد ياسين وخلفه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. قادة الدولة العبرية استغلوا بكل تأكيد المناخ الذي ساد العالم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر والتخاذل العربي والتساوق العالمي مع المفهوم الإسرائيلي الأمريكي لـ((الإرهاب)). (إسرائيل) أرادت التخلّص من الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي على اعتبار أنهما يمثلان مرجعية أخلاقية ووطنية ويجسدان رمزاً للنضال الوطني، كما قال أكثر من معلق إسرائيلي بُعيْد تنفيذ عمليتي الاغتيال التي فصلت بينهما ثلاثة أسابيع.
فشل الأهداف
بعد عام على اغتيال الشيخين ياسين والرنتيسي يتبين للكثيرين في الدولة العبرية أن غياب الشيخين لم يؤثر سلباً على الجهد المقاوم لحركة حماس، بل إن هذا الجهد أصبح أكثر مَضاءً كما يقول رؤفين فيدهستور، الجنرال المتقاعد في سلاح الجو والمعلق الاستراتيجي. الفكر القتالي لحركة حماس بعد اغتيال الشيخين لم يتجمد، بل ازداد إبداعاً. حماس استطاعت أن تقدم أسطورة في العمل المقاوم عندما حولت المستحيل إلى ممكن. فتحويل جيش الاحتلال مواقعه في قطاع غزة إلى قلاع محصنة وحراستها على مدار ساعات الليل والنهار لم يَحُلْ دون نجاح عناصر حركة حماس في الوصول إليها. الأنفاق المفخخة أصبحت الهاجس الذي يقضّ مضاجع قادة جيش الاحتلال وجنوده ومستوطنيه، مع العلم أن جميع عمليات الأنفاق المفخخة تم إهداؤها من قبل حركة حماس إلى روح الشيخين الياسين والرنتيسي، وهذا كان له دلالة فارقة بالنسبة لـ(إسرائيل) وهو أن غياب رمزين هامين مثل الياسين والرنتيسي لا يعني ولا يجب أن يعني توقف المقاومة بل على العكس. وهناك في (إسرائيل) من أخذ يحصي عدد الخسائر الإسرائيلية بعد مرور عام على اغتيال الشيخين، وحصيلة الخسائر الإسرائيلية العسكرية في انتفاضة الأقصى زادت وبشكل كبير. فقد حدث ارتفاع نوعي في عدد عمليات المقاومة وبالذات في قطاع غزة، ليصبح مجمل عدد عمليات المقاومة اثنين وعشرين ألف وأربعمائة وثلاثين عملية، قتل فيها ألف وأربعين صهيونياً، في حين سقط سبعة آلاف وستين جريحاً صهيونياً، وارتفع عدد العمليات الاستشهادية ليصل إلى مائة وثمان وثلاثين عملية، شاركت في تنفيذها ثماني استشهاديات، في حين ارتفع عدد صواريخ ((القسام)) التي تقوم بإطلاقها ((كتائب عز الدين القسام))، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى أربعمائة وستين صاروخاً. حقيقة أن حصيلة شهداء المقاومة قد ارتفع إلى حوالي أربعة آلاف شهيد لم تفت في عضد الشعب الفلسطيني، الذي لم يبدِ أي مظهر من مظاهر الوهن كما فعل المجتمع الصهيوني.
فك الارتباط
اللافت للنظر أنه بعد عام على اغتيال الياسين والرنتيسي، فإن قناعة باتت تتجذر لدى الكثير من المراقبين والمعلقين في (إسرائيل) ومفادها أن مسار التاريخ القصير أثبت نجاح الطريق الذي سلكه تحديداً الشيخ ياسين والرنتيسي، ويقصدون بكل تأكيد سبيل المقاومة. وكما يقر سيفر بلوتسكر المعلق البارز في صحيفة ((يديعوت أحرونوت))، فإن خيار الياسين والرنتيسي المتمثل في مواصلة الانتفاضة أثبت نفسه أكثر من أي خيار آخر. ويضيف بلوتسكر قائلاً ((الانتفاضة التي كان الياسين والرنتيسي من الحاثّين على مواصلتها، سواء اعترفنا أو رفضنا، دفعت الأغلبية الإسرائيلية الصامتة ومن ضمنها أغلبية ناخبي الليكود إلى الاعتراف بأن الاحتلال سيئ لـ(إسرائيل)، وأن الأضرار التي تعود على (إسرائيل) من مواصلة التحكم بالشعب الفلسطيني أكثر فداحة من منافعها؛ هذا إذا كانت هناك مثل هذه المنافع)). ويؤكد أن الشيخ ياسين والرنتيسي أثبتا للشعب الفلسطيني أن طريق المقاومة والانتفاضة أفضل ألف مرة من طريق المفاوضات والاتفاقيات مع (إسرائيل). ويضرب بلوتسكر مثالاً على ذلك، حيث يقول ((إن اتفاقيات أوسلو، وما تلاها من اتفاقيات وتفاهمات لم تتطرق البتة لقضية الاستيطان، ولم تتعهد الحكومات الإسرائيلية لأي من قادة السلطة بإزالة ولو بيت واحد في مستوطنة نائية، ليس هذا فحسب، بل إن اتفاقيات أوسلو ضمنت تواصل الاستيطان بشكل فاق بكثير وتيرته في الفترة التي سبقت التوصل للاتفاق)). ويضيف بلوتسكر قائلاً ((لكن انتفاضة الأقصى التي كان لحركة حماس بقيادة الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي دور بارز وطلائعي فيها أجبرت شارون أبو المشروع الاستيطاني على اتخاذ أصعب قرار في حياته، وهو إخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة الغربية)). ويرى بلوتسكر أن كل تفسير آخر للدوافع التي وقفت خلف شارون عندما اتخذ قراره بفك الارتباط تعتبر ((ذراً للرماد في عيون الإسرائيليين المتعبين من الصفقات والخداع الذاتي الذي يمارسه السياسيون المجبرون على مواجهة صدمة تغيير الرؤية والآراء والمعتقدات التي نادوا بها في الماضي))، على حد تعبيره. ويشدد الصحافي عكيفا الدار على أهمية الدور الذي لعبه كل من الشيخ ياسين والرنتيسي في تلاشي ((حلم أرض (إسرائيل) الكاملة الذي شُطب عن جدول الأعمال العام للإسرائيليين. (إسرائيل) في ظل قيادة أرييل شارون انسحبت من غزة وهي تقوم بإخلاء كل مستوطنيها من هناك كخطوة أولى -وليس كخطوة أخيرة- على طريق العودة إلى حدودها الصحيحة))، على حد تعبيره.
ولا يختلف اثنان من بين المعلقين الصهاينة المهتمين بالشأن الفلسطيني على أن غياب الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي لم يؤثر على قوة الحركة التي فاجأت الجميع بفوزها الساحق في الانتخابات المحلية، بحيث باتت القوة المركزية والتيار الأساسي في الساحة الفلسطينية. وقد تسابق المعلقون الصهاينة في تصوير مشاعر الذهول التي ألمّت بهم عندما علموا بحجم الفوز الذي حققته حركة حماس في هذه الانتخابات.
وشكراً